عقارات الأحباس ودورها في جلب الاستثمار
زينب أيت أونفلوس Zineb AITOUNEFLOUS
دكتورة في الحقوق
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، طنجة –
zinebaitouneflous@gmail.com
مقدمة:
يعتبر
تحبيس العقارات في التشريع الإسلامي من المؤسسات المهمة التي ساهمت بقسط كبير في
إرساء قيم وأسس التضامن و التكافل الاجتماعي بين المسلمين .
ويتميز الوقف من بين
كافة صور التبرعات التي تشكل منظومة الفعل الخيري في الإسلام بأنه يمثل الإحسان
المستدام والمتجدد والذي بإمكانه أن يستمر في تغطية حاجات المرافق والوظائف
الاجتماعية التي يرصد لها بحكم أن التبرع الوقفي هو تبرع بالمنافع دون الأعيان.
فالتبرع بالمنافع دون الأعيان أو حبس العين عن التملك والتمليك وجعل منافعها مخصصة
لجهة معينة، فكرة قديمة معروفة قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد، وهو ما يوحي أن الوقف
من الناحية التاريخية لا يرتبط بالإسلام، بل نجد لدى الأديان والأمم الأخرى ما
يشبه ذلك، لكن بالرغم من أن الوقف قد عرف قبل الإسلام إلا أنه لم يعرف باسمه هذا
ولم تظهر تفاصيل أحكامه إلا مع بروز الفقه الإسلامي الذي قننه وفصل فيه انطلاقا من
النصوص القرآنية والاحاديث النبوية واجتهادات الفقهاء.
فالحبس هو مؤسسة
اجتماعية خيرية ليست بحديثة العهد من حيث المفهوم بل عرفت منذ القدم إلا أن
تسميتها اختلفت من نظام لآخر والدليل على ذلك أن مركز العبادات وجدت قبل الفتح الإسلامي
وكان الاهتمام بالأشخاص الذين يعتنون بها كبيرا.
وهذا يفرض علينا إعطاء
تعريف للحبس لمعرفة أهمية هذه المؤسسة على المستوى التاريخي فالبعض قد عرفه بأنه تحبيس
للأصل لا يورث ولا يباع ولا يوهب، تسبيل للثمرة لمن وقفت عليه .[1]
و الفقه الإسلامي بدوره بمختلف
مذاهبه اعتنى بمؤسسة الوقف وأولاها العناية اللازمة باحثا في قواعدها العامة وفي جزئياتها
الخاصة، ساعيا إلى إرساء نظام خاص يضمن لها الاستمرارية ويجعلها تحقق الغايات التي
شرعت من أجلها، وفي سبيل الوصول إلى هذا المبتغى النبيل كان من الطبيعي أن يقع
الاتفاق بين فقهاء المذاهب على أحكام معينة وأن يحدث الخلاف بينهم حول أحكام أخرى.
ويعتبر تعريف الوقف من
المسائل التي حام حولها الخلاف بين المذاهب الأربعة، فقد عرفه المالكية بكونه:
"إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاءه في ملك معطيه ولو تقديرا" ،
وعرفه الحنفية بأنه: "حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها على جهة من
جهات البر في الحال والمآل".
أما الشافعية والحنابلة
فيعرفونه بكونه: "حبس عن ملك الناس وخروجها من ملك صاحبها إلى ملك الله تعالى
والتصدق بريعها في جهة من جهات البر.
أما من الناحية
القانونية فقد ذهبت مدونة الأوقاف إلى تعريف الحبس في المادة الأولى منها بأنه كل
مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة
ويتن إنشائه بعقد أو وصية أو بقوة القانون .
وعرفته مدونة الحقوق
العينية بأنه إعطاء منفعة عقار أو حق عيني عقاري لفائدة المحبس عليهم مع بقاء ملكية
العين للمحبس.[2]
والأصل في مشروعية تحبيس
العقارات أنه توجد عدة أدلة منها ما هو خاص و عام : بالنسبة لما يرجع إلى القرآن
الكريم توجد آيات كثيرة تحث على الصدقة وبذل الخير إلى فئات كثيرة من المسلمين
تشمل الحبس وغيره، منها قوله تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
"[3] " وأن تصدقوا خيرا لكم أن كنتم تعلمون
".[4]
فالإنفاق في سبيل الله والتصدق الذي أمر به وفعل الخير كل هذه الأمور ندب الله
إليها عبادة الأغنياء و خثهم عليها ، زيادة على ما كان واجب منها كالإحسان إلى
الفقراء ، وذوي القربى وأبناء السبيل وغيرهم و أن مختلف أنواع العطاء التي تبذل في
هذا السبيل قد تستهلك في حينها بينما العطاء الذي يكون عن طريق التحبيس والذي
يقتصر على المنفعة دون الذات يبقى مستمر النفع والفائدة .
أما فيما يرجع إلى السنة
النبوية فهناك عدة أحاديث تشير إلى مدى أهمية الحبس منها ما روي عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي "ص" قال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .[5]
المبحث الأول : الوضعية
القانونية لعقارات الأحباس في المغرب.
قد حافظ الحبس في بلاد
المغرب على طابعه الأصيل بحيث ظلت كل أحكامه المتميزة ونظمه القانونية المستمدة من
الشريعة الإسلامية وفق المذهب المالكي ، فموضوع الحبس له صلة كبرى بالشريعة
الإسلامية وتاريخ المغرب إلى جانب ارتباطه بالنصوص القانونية.
والحبس هو كل مال حبس
أصله بصفة مؤبدة أو غير مؤبدة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة ،
ويتم إنشاؤه بعقد أو بوية أو بقوة القانون. [6]
وينقسم الحبس إلى أقسام،
فمن حيث الجهة المستفيدة هناك الحبس الخيري الذي تكون فيه الجهة المحبس عليها منذ
البدء جهة من جهات البر والإحسان، والحبس المعقب أو الذي هو ما حبسه المحبس على
أولاده ما تناسلوا أو على أشخاص معينين على أن يؤول إلى جهة من جهات الخير وهناك
الحبس المشترك وهو ما حبس المحبس على أولاده وعلى جهة إحسان في آن واحد
أما من حيث طبيعة الحبس فهناك الأحباس العامة التي تديرها وزارة
الأوقاف و الشؤون الإسلامية مباشرة ، وكذلك الأحباس الخاصة التي تكتفي وزارة
الاوقاف بمباشرة حق الرقابة عليها.
المطلب
الأول : الأحكام العامة لتحبيس العقارات.
إن
الإنسان يدفعه إلى فعل الخير دوافع عديدة لا تنفك في مجملها عن مقاصد الشريعة
وغاياتها ومن هذه الدوافع نجد الدافع الديني الذي ينبني نتيجة الرغبة في الثواب أو
التكفير عن الذنوب ، وهو أمر يحقق قدرا من الراحة النفسية و الطمأنينة ، اما
الدافع المجتمعي فيتكون نتيجة الشعور بالمسؤولية الإنسانية تجاه الجماعة ، فيدفعه
ذلك إلى أن يرصد شيء من أمواله على هذه الجهة أو تلك مساهما بذلك في إدامة مرفق من المرافق الاجتماعية ، أما فيما يخص الدافع العائلي فهو
الذي تتغلب فيه العاطفة على الرغبة والمصلحة الشخصية فيندفع المحبس بهذا الشعور
إلى أن يؤمن لعائلته وذريته موردا ثابتا أو ضمانا لمستقبلهم صيانة لهم من الحاجة
والعوز والفقر.[7]
أولا: خصائص الحبس
إن طبيعة الحبس كحق عيني أصلي وإسلامي تكشف لنا
عن بعض خصائصه التي تتمثل في:
1- خاصية القدسية الدينية: فأساس الحبس الخيري هو التقرب من الله عز وجل ومن هنا أعطيت للأحباس كثير من الامتيازات
في التعامل والضمانات في التعاقد لأجل حماية هذه الصفة الدينية وعدم التلاعب بها..
2- عدم قابلية الحبس للتصرف بالبيع : فالمال المحبس
يعتبر في حكم الله تعالى وبالتالي لا يمكن تداوله بالتفويت والبيع بل يبقى ريعه
لصالح الجهة التي رصد لخدمتها أما مسطرة المعاوضة فقد أحاطتها مدونة الأوقاف بكثير
من الضمانات .
3- الحبس يقع على
العقار والمنقول : فالأحباس تملك كثيرا من العقارات من أراضي فلاحية وعمارات ودور
سكنية وشقق مما يؤهلها في نظرنا إلى تغيير طريقة الاستثمار وفق المستجدات الصناعية
الحديثة لزيادة مداخيل الأحباس.
أما بالنسبة لمنقولات فإننا نلاحظ تحبيس المصاحف على
المساجد و الدواء للعلاج والأموال لخدمة المساجد .
4- خاصية الامتياز
لصالح المؤسسة الحبسية :
عدم قابلية أموال الحبس لنزع الملكية ، بالإضافة إلى
مدونة الأوقاف التي تعطي كثيرا من الامتيازات والضمانات لمؤسسة الأحباس كطرف
متعاقد حتى لا يقع غبن أو استغلال لأملاك الأحباس، الأمر الذي نجده في علاقة
الكراء العادية بين الخواص، مما يجبرنا إلى القول بكون عقد الكراء الحبسي عقد
إذعان ملزم لجانبين، فالمكتري يلتزم بقبول نتيجة السمسرة بعد موافقة الوزارة
ويلتزم بعدم المطالبة بالتعويض عن الإصلاحات التي أجراها ، كما أنه يخضع لكثير من
الشروط التي تمليها مصلحة الأحباس وطبيعتها القدسية .
ثانيا: أركان وشروط
تحبيس العقارات
يقوم الحبس على أربعة أركان وهي المحبس، والعين
المحبسة وصيغة الحبس والمحبس عليه ، وكل من هذه الأركان يجب أن تتوافر فيه شروط
معينة وهو ما نصت عليه مدونة الأوقاف في مادتها الثالثة وذلك على الشكل التالي :
1- شروط صحة الحبس بالنسبة للمحبس : المحبس هو الشخص الذي يتخلى عن ملكه بصفة نهائية ويعطي
منفعته للمحبس عليه لينتفع بها [8]
فهو المالك للذات أو المنفعة التي حبسها ويشترط فيه الشروط التالية : أن يكون أهلا
للتبرع والتمليك والأهلية ، أن يكون الحبس باختياره ، أن يكون المحبس مالكا للمال
المحبس
2- شروط صحة الحبس
بالنسبة للمحبس عليهم : المحبس عليه هو الشخص المستفيد من الحبس أو المستحق لصرف
المنافع عليه، وهكذا يشترط في الجهة المحبس عليها أن يكون قربه محللة شرعا وأن
يكون معينا إما بذاته أو صفته ، أن يكون موجودا [9]
وأن يبدي المحبس عليه ما يدل على قبول الحبس حقيقة أو حكما .
3- شروط صحة العين
المحبسة: العين المحبسة أو الموقوفة هو كل ملك ينتفع منه شرعا، مباحا ، حلالا ، لا
يتعذر تسليمه ، وعليه يشترط في الشيء المحبس مايلي: أن يكون عقارا أو منقولا ، أن
يكون الشيء المحبس ذا قيمة ومنتفعا به شرعا تحت طائلة البطلان[10]
، أن يكون الشيء المحبس ملكا صحيحا ، أن يكون الشيء المحبس مفرزا إذا كان غير شائع
في غيره ، أن يكون الشيء المحبس معلوما للمحبس وقت الحبس وهذا ما أكده المشرع
المغربي في المادة 12 من مدونة الأوقاف وبالنسبة للعقار يشترط بيان حدود العقار
المحبس ومساحته تفصيلا ورقم رسمه فالحبس لا يصح إلا إذا كان موثقا .
4- صيغة الحبس
وشروطها : يراد بصيغة العبارة التي تؤدي إلى إنشائه انطلاقا من إرادة الشخص المحبس
إما بالقول و إما بالفعل وقد اشترط لصحة الصيغة التي ينعقد بها الحبس مجموعة من
شروط وهي كالآتي : أن يكون الحبس منجزا أي غير معلق على شرط ، أن يكون الحبس غير
مضاف إلى ما بعد الموت، ففي هذه الحالة لا يعد حبسا ولا يصح الرجوع فيه ولكن إذا
أصر على حبسه حتى مات كان وصية بالحبس ، وتجري عليه أحكام الوصية[11]
، أن لا يكون في الصيغة شرط الخيار للمحبس أو أن يكون في الصيغة شرط يؤثر في أصل
الحبس[12]
المطلب الثاني: طبيعة
تحبيس العقارات وإثباتها.
الحبس
عقد من العقود التي تنعقد بإرادة منفردة ولا تشترط القبول إلا ضمن شروط محددة ،
تقتضي التساؤل عن طبيعته باعتباره مؤسسة تشريعية خاصة، لا يحتج بها إلا إذا أتبث
أمام القضاء وجود شروطه و أركانه، وبالرجوع إلى القانون 39.08 المتعلق بمدونة
الحقوق العينية نجد أن الحبس حق من الحقوق العينية الأصلية وبالرجوع إلى المادة
الأولى من مدونة الأوقاف نجدها قد عرفت الحبس: " الوقف هو كل مال حبس أصله
بصفة مؤبدة أو مؤقتة ، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة ويتم
إنشاءه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون " كما حددت الفقرة الثانية من نفس
المادة أنواع الحبس : يكون الوقف إما عاما أو معقبا أو مشتركا .
إثبات
الحبس في العقار المحفظ :
إن التصرفات الواردة على العقار المحفظ ومن بينها التبرعات لا تكون لها أي أثر
بدون تسجيل في الرسم العقاري ، فالعقار المحفظ المتوفر على رسم عقاري يكون هذا
الرسم هو سند ملكية من هو مسجل به وبالتالي فإن المالك للرسم العقاري إذا حبس
منفعته فإن المحبس عليهم يكونون محصنين ضد أي نزاع في ملكية المحبس .[13]
المبحث الثاني : تدبير و
حماية الأملاك الوقفية ودورها في تحقيق التنمية.
إن الجهة التي تتولى
إدارة الأوقاف العامة والمحافظة عليها وتنميتها والتصرف في ريعها على الأوجه التي
حبست من أجلها وفي مقدمتها خدمة مصالح الدين وتحقيق المنفعة للمسلمين هي وزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحت الإشراف المباشر لجلالة الملك بصفته أمير للمؤمنين،
ويقوم بهذه المهمة الوزير المكلف بالأوقاف والشؤون الإسلامية في إطار التقيد
بأحكام مدونة الأوقاف والنصوص المتخذة لتطبيقها.
ونظرا لقدسية هذا النوع
من الأملاك تجري على الأموال الموقوفة وقفا عاما جميع التصرفات القانونية الهادفة
إلى الحفاظ عليها وتنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة للوقف.
فلهذه الغاية تكلف إدارة الأوقاف بتدبير هذه الأموال واستثمارها وفق القواعد المنصوص
عليها في مدونة الأوقاف والنصوص المتخذة لتطبيقها.
أولا: الإدارة المكلفة
بتسيير الأوقاف العامة بالمغرب
1) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: يغطي
نشاط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كما يشير إلى ذلك اسمها مجالين رئيسيين :الوقف
والشأن الديني، وهما مجالين ظلا في صدارة اختصاصات الدولة المغربية منذ نشأة
الدولة العلوية.
2)
النظارة:
تتوفر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على رصيد عقاري هائل يتمثل في أراضي شاسعة
وعقارات متنوعة بمختلف مناطق المملكة المغربية، ورغبة منها في ضبط هذه الأملاك
وتوجيه أموالها إلى الاستثمارات التنموية يعمل وزير الأوقاف على تعيين نظار ينوبون
عنه ويمثلون الوزارة أمام الجهات الحبسية، ويكلفها بتصنيف التوجيهات والتعليمات
للإدارة المركزية، والمحافظة على ممتلكات الأوقاف وتدبيرها وتنميتها وتحسين
مداخيلها، فليس للواقف ولا للقاضي سلطة على الناظر فيما يتعلق بالتعيين أو العزل.
فولاية الناظر ومن عطف عليه أقوى من ولاية القاضي وولاية هذا الأخير أقوى من ولاية
إمام المسلمين لأن كل من كان أقل اشتراكا كان أقوى تأثيرا وامتلاكا فكلما كانت
الولاية المرتبطة بشيء أخص مما فوقها بسبب ارتباطها به وحده، كانت أقوى تأثيرا في
ذلك ممن فوقها في العموم، فتكون الولاية العام كأنها انفكت عما خصصت له الولاية
الخصوصية لا الرتبة[14].
ثانيا: التصرفات الواردة
على الأملاك الوقفية وقفا عاما.
تعرف الأملاك العقارية
الوقفية تنوعا كبيرا من حيث مشتملاتها إذ نجد أراضي زراعية وعقارات مبنية معدة
للسكن ولأغراض مهنية وتجارية وعقارات غير مبنية ورغبة من المشرع في الحفاظ عليها
وتنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة للوقف، وهذا هو ما كرسته
مدونة الأوقاف في المادة 60 منها عندما نظمت بالأساس جملة من التصرفات الجارية على
الأموال الموقوفة وقفا عاما ومنعت تصرفات أخرى لما قد ينتج عنها من الإضرار بحفظ
الوقف وتنميته كعقد المغارسة ( المادة 102 ). وإذا كانت القاعدة عدم قابلية هذه
الأملاك للتفويت أو الحجز أو الاكتساب بالتقادم هي الأصل فإنه يجوز نقل منفعتها عن
طريق الكراء ودمجها في النسيج الاقتصادي.
ومن بين التصرفات التي
يسمح بجريانها على الأموال الموقوفة وقفا عاما منها ما هو أصل في استغلال المال
الموقوف وقفا عاما ومنها ما هو استثناء ( المعاوضة النقدية والعينية) ولقد نظمت
مدونة الأوقاف المغربية من هذه التصرفات الواقعة على منفعة المال الموقوف وقفا
عاما تصرفين هما: الكراء وبيع منتوج الأشجار والغلل ومواد المقالع.
المطلب الأول : تدبير وحماية
الأملاك الوقفية
يعتبر
الوقف من المؤسسات المهمة التي ساهمت بقسط كبير من أماكن و أزمنة مختلفة في إرساء
التضامن و التكافل الاجتماعيين، فهناك من يعتبره نظاما عريقا يعبر عن ثقافة
التضامن بين أفراد المجتمع ، ويعكس أوامر التقارب بين المسرور و المحتاج .
وبالتالي أصبح من المستحيل الاستغناء عنه ليس فقط بالنسبة للمجتمع، بل أيضا بالنسبة
للدولة التي وجدت فيه تعويضا لقصورها أو تقصيرها ، وركيزة أساسية تستند عليها
لمعالجة الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية أو على الأقل الحد من تفاقمها.
وعلى
هذا الأساس كان لزاما على المشرع التدخل من أجل بسط أكبر قدر ممكن من الحماية
للأوقاف التي جاءت بمقتضيات حمائية جديرة بالاعتبار .
1- الحماية المدنية
للأوقاف
·
دور التحفيظ العقاري :
يلعب نظام التحفيظ العقاري دورا أساسيا في حماية
الملكية العقارية ، وضمان حماية الدائنين
كما تشكل لبنة أساسية لانطلاق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية و التجارية.
2-
الحماية الجنائية للأملاك الوقفية
من
وسائل الحماية التي يقررها القانون الجنائي ،تقرير عقوبة بالغرامة أو الحبس أو
السجن ، و تشديد العقوبة في حالة توافر بعض الظروف ، ورفع الحد الأقصى للعقوبة عند
توافر القصد الجنائي، تعد قواعد القانون الجنائي من القواعد المقررة لحماية
العقارات بصفة عامة و العقارات الوقفية بوجه خاص، بهدف المحافظة على الأمن
والاستقرار في المجامع ، و استمرار العقار في أداء الدور الذي وجد من أجله .
وبالرغم
من كون القانون الجنائي المغربي لم يأت بقواعد خاصة لحماية العقارات الموقوف ، فإن
القواعد العامة من القانون الجنائي هي التي تطبق عليه ، سواء فيما يتعلق بحماية
الوجود المادي للأملاك الوقفية ، أو حماية الوجود القانوني لها.
المطلب الثاني: :
تسخير الملك الحبسي لخدمة التنمية الاقتصادية .
يعتبر
الاستثمار في الاصطلاح استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بالشراء، وإما
بطريقة غير مباشرة كشراء الأسهم والسندات.
والاستثمار
الوقفي هو كل ما تبذله إدارة الوقف من جهد فكري ومالي من أجل الحفاظ على الممتلكات
الوقفية وتنميتها بالطرق المشروعة ووفق مقاصد الشريعة ورغبة الواقفين بشرط ألا
تعارض نصا شرعيا، والاستثمار الحقيقي للوقف هو الإنفاق على أصول ثابتة من ممتلكات
الوقف بغية تحقيق عائد مالي على مدى فترات مختلفة من الوقت، ذلك هو الاستثمار الذي
يجمع بين القدرات الفكرية والطاقات البشرية والموارد الطبيعية لزيادة رأسمال الوقف
وبالتالي توفير خدمات لأفراد المجتمع مراعيا في ذلك مقاصد الشريعة العامة في
ترتبها للحاجات البشرية الضرورية.[15]
فالعلاقة
بين الوقف والاستثمار علاقة أساسية ومتينة، والاستثمار يشمل أصول الأوقاف، وبدل
الوقف، وريع الوقف وغلته وهذه هي الحكمة من مشروعية الوقف التي بينها الرسول (ص)
في قوله لعمر رضي الله عنه : "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها".
ثم
إن الوقف بحد ذاته هو استثمار لتنمية الموارد لتغطية الجهات الموقوف عليها، لأن
الوقف تحبيس للأصل وتسبيل للمنفعة، والمنفعة بحد ذاتها هي الاستثمار أو نتيجة
الاستثمار.
لذلك
تدخلت مختلف التشريعات من أجل تنظيم وسائل تنموية لاستثمار الوقف في صورة قوانين
تحدد ضوابط هذه الأساليب، لذلك كان المقصود من تدخل المشرع المغربي لتنظيم الأحكام
الخاصة باستثمار الوقف في صيغة نصوص قانونية مضبوطة بعدما كانت متناثرة في أبواب
الفقه وفي الأجوبة الفقهية الباتة في الفتاوى والنوازل، محاولة تجميع هذه الأحكام
أولا، واختيار ما يحقق منها حماية لحقوق هذه الأوقاف.[16]
خاتمة:
بما
أن التنمية تعتبر من المطالب الأساسية لمختلف المجتمعات فالوقف باعتباره ثروة
يعتبر من أوجه المساهمات التي ترتكز عليها التنمية في مختلف المجالات ، مما يؤدي
إلى الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
وبذلك
يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أن الوقف من ركائز الحياة الاقتصادية والاجتماعية
بما تقدمه من خدمات ومنافع كثيرة في مختلف المجالات منها مجال التعليم و المجال
الديني والصحي .
[1]
رشيد الحسين : التشريع المغربي الحبسي وضرورات التحديث، المجلة المغربية للإدارة
والتنمية ، عدد :27، أبريل يونيو 1999، ص :69
[2] أمحمد لفروجي : القانون رقم
08.39، المتعلق بمدونة الحقوق العينية، نصوص قانونية محينة القانون العقاري الجديد
وفق القوانين الجديدة رقم 17.07 و 39.09 الصادر في إطار مخطط إصلاح الترسانة
التشريعية المتعلقة بالعقار في المغرب كلية الحقوق بالرباط ، العدد 24، المطبعة الجديدة
الدار البيضاء، الطبعة الأولى ، الإيداع القانوني 2012.ص 57
[3] الآية 92 من سورة آل عمران
[4] الآية 280 من سورة البقرة.
[5] الكبيسي : أحكام الوقف في
الشريعة الإسلامية ، ج 1، مطبعة الإرشاد، بغداد ، سنة 1977 ص94-95.
[6] .زكرياء العماري: مدونة الأوقاف والنصوص التشريعية
المتعلقة بالوقف، ظهير شريف رقم 236-09-1 صادر في 8 ربيع الأول 1431-23 فبراير
2010-يتعلق بمدونة الأوقاف، المادة الأولى ، منشورات مجلة القضاء المدني، الطبعة
الأولى سنة 2010 ص 10.
[7] علي بن شقرون : المؤسسة
القانونية للوقف من خلال بعض أدوار الأحباس في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية بفاس، السنة الجامعية 1999-1990،ص 19.
[8]. محمد بن معجوز : الحقوق
العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار
البيضاء، الطبعة الأولى 1990، ص 380
[9].المادة 14 من مدونة الأوقاف
[10]. المادة 15 من مدونة
الأوقاف
[11]زهدي يكن : الوقف في الشريعة والقانون ، دار
النهضة العربية للطباعة والنشر ، طبعة 1388 ص 28.
[12] الدردير أحمد بن محمد بن أحمد : الشرح الصغير
على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك وبها مشه حاشية الشيخ أحمد بن محمد الصاوي
المالكي الجزء الرابع ، دار المعارف ، مصر ، بذون ذكر تاريخ الطبع، ص87.
[13] محمد بن يوسف الكافي: أحكام
الأحكام على تحفة الحكام دار الفكر بيروت الطبعة الأولى ، 1411-1991، ص4.
[14] . محمد
المهدي: سلسلة رسائل جامعية (10) دكتوراه،
نظام النظارة على الأوقاف في الفقه الإسلامي والتطبيقات المعاصرة " النظام
الوقفي المغربي نموذجا" إدارة الدراسات والعلاقات الخارجية- الأمانة العامة
للأوقاف 1431-2010 الطبعة الأولى 1432-2011 ، ص: 85.
[15]. سكينة ألوات : الحماية
القانونية للعقارات الموقوفة على ضوء مدونة الأوقاف وقانون التحفيظ العقاري، رسالة
لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، ماستر العقار والتنمية ،جامعة عبد المالك
السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة بطنجة، السنة 2013-2014
ص: 4
[16] حسن بوخريصي:
النظام القانوني للمسؤولية في مدونة الأوقاف، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط، ص
204.
