صلاحيات النيابة العامة في قضايا الأحداث أثناء البحث التمهيدي
يوسف تملكوتان TAMLAKOUTAN YOUSSEF
دكتور في القانون الخاص تخصص العلوم الجنائية جامعة عبد المالك السعدي طنجة
مقدمة :
تقوم النيابة العامة بدور محوري في حماية المجتمع المتضرر من الجريمة، وتتجلى أوجه هذه الحماية
في الوظائف التي تؤديها باعتبارها ممثلة للحق العام وساهرة على مصالح المجتمع، فهذه
الأدوار تنطوي على مسؤولية اجتماعية كبيرة، تتجلى في حماية النظام الإجتماعي من
جهة، والقانون الذي اضطرب بسبب ارتكاب الجريمة من جهة ثانية.
وفي مجال عدالة الأحداث يكون حضورها ذي أهمية كبيرة، بحيث تضطلع
بأدوار متعددة يتجاوز دورها التقليدي المتمثل في مراقبة إجراءات البحث، ليمتد إلى
تفعيل الأهداف التربوية والحمائية المقررة للأحداث أثناء مباشرة إجراءات البحث
التمهيدي في الجرائم التي يرتكبونها، بل أكثر من ذلك يتعدى الأمر للقيام بأدوار
أكثر حداثة وإيجابية[1].
والمشرع المغربي سار على نهج التشريعات المقارنة في هذا الموضوع، حيث
أعطى للنيابة العامة عدة صلاحيات تمارس من خلالها الرقابة على إجراءات البحث
التمهيدي التي تقوم بها الشرطة القضائية المكلفة بالأحداث،[2]
وجعل من الإجراءات المتخذة في حق الحدث أثناء هذه المرحلة تحت أنظارها.
إن الهدف من هذه الرقابة هو الحرص على تفعيل الضمانات المقررة لحماية
الحدث المنسوب له الجرم منذ اللحظة الأولى للقبض عليه من طرف ضباط الشرطة
القضائية، ولعل من بين أهم هذه الضمانات هي الحفاظ على مركزه القانوني في مختلف
أطوار البحث والحفاظ على نفسيته، بدءا من إجراء الإحتفاظ إلى حين تسليم الحدث إلى
أبويه أو إحالته على المحاكمة في حالة إدانته.[3]
ولم تقتصر مهام النيابة العامة على مراقبة إجراءات البحث التمهيدي
التي تقوم بها الضابطة القضائية بل تمتد إلى ممارسة صلاحياتها الإجتماعية قبل
إحالة الحدث على المحاكمة، أو ما يصطلح عليه بالمهام التي تدخل في خانة
الإصلاح الإجتماعي، وذلك عند ممارسة بدائل
الدعوى العمومية من قبيل الصلح[4]،
ولعل أهمية هذا الأخير تزداد من خلال تجنيب الحدث مساوئ المحاكمة، والحفاظ على
نفسيته، بالإضافة إلى إبقاء سجله نقيا حفاظا على مستقبله.
إن موضوع صلاحيات النيابة العامة في قضايا الأحداث أثناء البحث
التمهيدي، يكتسي أهميته من الناحية القانونية، ترجع إلى أن القواعد الخاصة
بالأحداث تميل دوما نحو مطالبة هذا الجهاز إلى تحقيق حماية كافية للحدث وتغليب
المقاربة التربوية على المقاربة الزجرية، وتزداد أهميته في كون هذا الموضوع يتناول
قضية من قضايا ذات شأن مجتمعي تتجلى في كون فئة الأحداث هم أشخاص في أمس الحاجة
إلى الحماية والتتبع قصد مساعدتهم للخروج من شبح الجريمة.
ومن جانبنا نهدف من خلال هذا الموضوع إلى المساهمة ولو بقدر بسيط في
الوقوف على الصلاحيات التي خولها المشرع للنيابة العامة في حماية الأحداث أثناء
مرحلة البحث، ورصد الصعوبات التي تعترض هذا الجهاز في تفعيل الضمانات القانونية
المخولة للحدث أمام الضابطة القضائية، للوصول إلى حلول يمكن من خلالها تجاوز بعض
هذه الصعوبات المرصودة.
إذن، وعلى ضوء ما سبق، ما هي الصلاحيات الممنوحة للنيابة العامة في
قضايا الأحداث أثناء مرحلة البحث التمهيدي؟ وإلى أي حد تستطيع النيابة العامة من
خلال رقابتها على ضباط الشرطة القضائية تفعيل الضمانات القانونية المقررة لحماية
الأحداث أثناء إجراءات البحث؟
ولتناول هذه الدراسة والإجابة عن الإشكالية المطروحة
يتطلب الأمر تقسيم الموضوع كما يلي :
-
المبحث الأول : تفعيل النيابة لإجراءات
الحماية المقررة للأحداث في مرحلة البحث التمهيدي.
- المبحث
الثاني : صعوبات تفعيل النيابة العامة لإجراءات الحماية المقررة للحدث أثناء البحث
التمهيدي.
المبحث
الأول : تفعيل
النيابة لإجراءات الحماية المقررة للأحداث في مرحلة البحث التمهيدي
تسهر النيابة من خلال مباشرة الضابطة القضائية المكلفة بالأحداث
لإجراءات الأبحاث والتحريات، على مراقبة مدى احترام هذه الأخيرة للضمانات المخولة
للحدث في هذه المرحلة، وعلى هذا النحو فالشرطة القضائية لا تملك السلطة المطلقة في
عملها، بل تخضع لمراقبة النيابة العامة سواء من خلال موافقتها على إجراء الإحتفاظ
بالحدث مع مراقبتها للإجراءات المصاحبة لهذا الإحتفاظ (المطلب الأول)، أو من خلال
تفقد أماكن الإحتفاظ (المطلب الثاني) للحرص على عدم إيذاء الحدث والحفاظ على مركزه
القانوني أثناء الإحتفاظ.
المطلب
الأول : موافقة
النيابة العامة على الإحتفاظ بالحدث مع مراقبة الإجراءات المصاحبة له
تعتبر الحرية الشخصية من الحقوق الأساسية
للإنسان، وعلى هذا الإعتبار عملت المعاهدات والاتفاقيات الدولية ومختلف الدساتير
على حمايتها[5]، ولذلك
فإن المشرع المغربي وتماشيا مع القاعدة 13[6] من القواعد الدنيا
النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) عمل على تقييد سلطات الشرطة
القضائية المكلفة بالأحداث عند اتخاذها لإجراء الاحتفاظ بالحدث حيث وضع ضمانة
حمائية مرتبطة بموافقة النيابة العامة، وبالتالي جعل المشرع هذا الإجراء إجراءا
استثنائيا لا يمكن أن يتخذ إلا إذا تعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته، أو إذا
كانت ضرورة البحث أو سلامة الحدث تستدعي ذلك على أن لا تتجاوز مدة الاحتفاظ 15
يوما[7].
وبما أن اللجوء
إلى الاحتفاظ بالحدث إجراء لا يعمل به إلا عند توافر دلائل كافية على ارتكاب
الجريمة، فإن المشرع المغربي لم يشترط وجود هذه الدلائل أو القرائن إذ ترك ذلك
لتقدير ضباط الشرطة القضائية[8]، وفي هذا الصدد يرى بعض
الفقه أن على المشرع أن يعيد النظر في تلك الشروط بما تحقق مصلحة الحدث وتجنيبه ما
أمكن ظروف الاعتقال ومخاطره، وذلك تماشيا مع المشرع الفرنسي الذي اشترط للاحتفاظ
بالحدث وجود دلائل أو قرائن قوية على ارتكاب الحدث للجريمة أو محاولة ارتكابها
وذلك عندما أقر بمقتضى قانون 9 دجنبر 2002 بأنه: "لا يمكن لشرطة الأحداث
الاحتفاظ بالحدث الذي يبلغ عمره ما بين 10 و13 سنة إلا في حالة استثنائية، كوجود
دلائل قوية على ارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها على الأقل ب 5 سنوات سجنا، بعد
موافقة وكيل الجمهورية".[9]
وللحد من أي تعسف
يمكن أم يمارسه ضابط الشرطة القضائية في حق الحدث اعتبر المشرع أن أي إجراء يقضي
بالاحتفاظ دون موافقة النيابة العامة فهو إجراء غير قانوني يترتب عنه خرق للقانون[10] والمتابعة الجنائية في حق
الضابط المخالف له[11]، فبهذا الإجراء يكون
المشرع قد قلص من صلاحيات ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث في اتخاذ تدبير
الإحتفاظ ولو تعلق الأمر بتلبس الحدث
بارتكاب الجريمة[12].
إن التشريع
المغربي حرص على ضمان حق إخطار ولي الحدث أو المقدم عليه أو وصية أو كافله أو
حاضنه أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته تدبير الاحتفاظ بالحدث من قبل
ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث[13]، وذلك فور القبض عليه
ويأتي هذا الإجراء في سياق ملاءمة مقتضيات القانون الداخلي مع المعايير الدولية في
هذا المجال.
بالرغم من أهمية
هذا الإجراء لا على مستوى الاتفاقيات والمعايير الدولية ولا على مستوى التشريع
الداخلي. إلا أنه في بعض الحالات لا يتم إشعار أولياء الحدث بالتدبير المتخذ، وحتى
في حالة الإشعار لا يتم وفق الوسيلة التي رسمها المشرع مما يحتمل تعرض الحدث
للإيذاء.[14]
وبمقابل ذلك فإن عدم
تنصيص المشرع على الجزاء المترتب عن احترام الضابطة القضائية لإجراء الإشعار، إلا
أنه يعد ضمانة أساسية ممنوحة للحدث الموضوع رهن الاحتفاظ لما له من آثر إيجابي على
نفسيته، وفي ضوء ذلك اعتبر الفقه والقضاء أن إجراء الإشعار هو إشعار إداري لا
يترتب عن عدم إنجازه من طرف الضابطة القضائية بطلان الإجراءات المسطرية المصاحبة
للوضع تحت الحراسة النظرية أو المرتبة عنه، ولكن يمكن أن يترتب عنه المسؤولية
التأديبية للضابط.
وقد أصدر المجلس الأعلى[15] عدة قرارات في هذا الموضوع
ترمي إلى أن عدم إشعار أسرة المحتجز لا يؤثر على سلامة المسطرة، وجاء في إحداها أن
عدم إخبار ضابط الشرطة القضائية لعائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لا يؤثر
على سلامة المسطرة مادام القانون لا يرتب على ذلك صراحة[16]، وجاء في قرار آخر
"إن عدم إشعار العائلة لا يعتبر شكلية جوهرية يترتب عن الإخلال بها البطلان[17].
وتفعيلا بحق
الحدث في الاستعانة بمحامي أقر المشرع المغربي هذا الحق من خلال الفقرة الرابعة من
المادة 460 من ق.م.ج التي أعطت للحدث المحتفظ به الاتصال بالمحامي بإذن من النيابة
العامة تحت مراقبة ضبط الشرطة القضائية[18]، ومن هنا يأتي دور المحامي
وتدخله الحمائي في قضايا الأحداث، فأهمية حضور المحامي من أجل مؤازرة الحدث تتضح
من خلال مساعدته على الحفاظ على نفسيته،[19] بل أكثر من ذلك فالمحامي
ليس مجرد حارس للضمانات القانونية بل من المفروض أن يساهم بخبرته في التعرف على
شخصية الحدث وطبيعة انحرافه للمطالبة بالتدابير الملائمة لحالته[20].
وعلى الرغم من
اعتبار حق الدفاع جزء من الحق في المحاكمة العادلة، فإن المشرع المغربي لم يخول
هذا الحق منذ اللحظة الأولى التي تم فيها إلقاء القبض على الحدث، ومن ثم كان على
المشرع منح حق الحدث الاستعانة بمحاميه في أول لحظة القبض عليه بدل تخويله هذا
الحق في حالة الاحتفاظ به واتخاذ في حقه إجراء الحراسة المؤقتة.
ويحتفظ بالحدث
لمدة 48 ساعة في الجرائم العادية تبدأ في عدها من اللحظة التي يقر فيها ضابط
الشرطة القضائية توقيف المعني بالأمر ووضعه رهن إشارته وتنتهي هذه المدة ابتداء من
رفع الحجز عليه في حالة ما إذا لم تأمر النيابة العامة بتمديدها، ووعيا من المشرع
المغربي كغيره من التشريعات المقارنة بالمخاطر التي تزداد في طول هاته الفترة التي
قد تصل إلى 72 ساعة في الحالات المنصوص عليها في المادة 66 من ق.م.ج جعلته يقيد
عمل ضباط الشرطة القضائية إذ لا يمكنها اللجوء إلى تمديد فترة الاحتفاظ به
تلقائيا، بل يتطلب منها ذلك الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة[21].
وهكذا فإن إجراء الاحتفاظ
بالحدث من طرف ضابط الشرطة القضائية يبقى من صلاحيات النيابة العامة وحدها التي من
خلال اطلاعها على وقائع القضية المنسوبة للحدث أن تقرر الاحتفاظ به من عدمه شريطه
احترام القيود المنصوص عليها في المادة 460 من ق.م,ج، ويتضح من كل هذا أن المشرع
المغربي عمد إلى تقييد عمل ضباط الشرطة القضائية وبمراقبة من النيابة العامة بما
يحقق الحماية للحدث.
المطلب الثاني : تفقد النيابة العامة لأماكن الإحتفاظ بالحدث
تعتبر ضمانات
الحدث الجانح أمام الضابطة القضائية من الحقوق الهامة التي توفر الحماية اللازمة
للحدث أثناء البحث معه تمهيديا، وذلك نظرا للخصوصيات التي تطبع الأحداث، لهذا فقد
تبنى المشرع إجراء تفقد النيابة العامة مرة على الأقل في الأسبوع لأماكن الاحتفاظ
بالحدث لما تتطلبه ظروفه الطبيعة والصحية والنفسية، التي تفرض احترام ضوابط مباشرة
إجراء الاحتفاظ في الأماكن المعدة لذلك ومخصصة للأحداث.
ولعل إقرار
المشرع لهذا الإجراء يهدف منه تحقيق الدور التربوي والتأهيلي للنيابة العامة في
مجال عدالة الأحداث، وذلك للوقوف على ظروف الحدث، والوقاية من الآثار النفسية التي
قد تضر به بسبب الإحتفاظ بمخافر الشرطة،
ومن ثم أقر المشرع المغربي هذا المقتضى الهام على أساس أنه يمنح لوكيل الملك شخصيا
أن يعاين بنفسه ويقف على الأماكن التي يحتفظ فيها بالحدث لمعرفة الظروف المادية
المحيطة به.
وإذا كان يعاب على المشرع عدم تحديد الوسائل
المادية التي يجب توافرها في هذه الأماكن إلا أنه يفرض عليه ضرورة التأكد من توافر
هذه الأماكن على الحد الأدنى مما تتطلبه مستلزمات الحفاظ على عدم إيذاء الحدث،
وجعل الضابطة القضائية على حذر في كل ما يقدمون عليه، والعمل على مراقبتهم في كل
فعل قد يسيء للحدث، ويتضح بأن المشرع المغربي عمد إلى إسناد مهمة مراقبة النيابة
العامة لأماكن الاحتفاظ بالحدث، ومن ثم يفرض على وكيل الملك مراقبة السجلات
والمحاضر عند زيارته لمخافر الشرطة، والتأكد من شرعية الاعتقال، وبكل ما يتعلق
بظروف الاعتقال بسبب الاحتفاظ والتأكد من عدم إيذاءه[22].
إن تحديد المشرع
المغربي لمدة زيارة وكيل الملك لأماكن الاحتفاظ بالحدث مرة واحدة على الأقل في
الأسبوع كان صائبا، إلا أنه نادرا ما تتم هذه الرقابة على النحو الذي توخاه المشرع
مما يحتمل معه تعرض الحدث للإيذاء خصوصا وأن هناك أماكن لا تتوفر على إمكانيات
تضمن عدم إيذاء الأحداث.[23]
ومن جهة أخرى إذا
وقف وكيل الملك على بعض الإختلالات، فيلزم عليه إخبار الوكيل العام للملك بكل ذلك
بمقتضى تقرير في الموضوع، ليترتب عليه الأثر القانوني المناسب، فإذا كانت هذه
الإختلالات تشكل إختلالات مهنية في حق ضابط الشرطة القضائية فإن الوكيل العام
للملك يتخذ الإجراءات الكفيلة لوضع حد لهذه الإختلالات[24]، وذلك بإحالة الضابط المخل
بما ذكر على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف[25] التي تراقب أعمال ضباط
الشرطة القضائية عندما تكون صادرة عنهم بهذه الصفة، وقد يكون مجرد لفت نظر ضابط
الشرطة القضائية إلى تلافي بعض السلبيات وإبداء بعض الملاحظات للإدارة التي يخضع
لها الضابط.
بالرغم ما جاء به
المشرع من ضمانات بخصوص الاحتفاظ بالحدث، ورغبة منه في ترسيخ فلسفة عدالة الأحداث
التي تنبني على احترام خصوصيات هذه الفئة المنصوص عليها قانونا، وتفادي احتجازهم،
إلا أن مقتضيات المادة 460 من ق.م.ج التي تنظم كيفية الاحتفاظ لا يتم تفعيلها وفق
الغايات التي يطمح إليها المشرع، حيث يعتمد الاحتفاظ بالحدث كقاعدة عامة وليس
كاستثناء بجميع مخافر الشرطة[26].
ولذلك يتوجب على
قضاة النيابة العامة ترسيخ التوجه الذي تبناه المشرع في شأن احتجاز الأحداث
والاحتفاظ بهم لما يمكن أن يخلفه إجراء الاحتفاظ من آثار على نفسية الحدث، ولهذه
الغاية اتجه المشرع المغربي نحو دعوة النيابة العامة إلى تفقد أماكن الاحتفاظ، بما
قد يشكل ذلك آلية حمائية للحدث في هذه الفترة.
المبحث الثاني : صعوبات تفعيل النيابة العامة لإجراءات
الحماية المقررة للحدث أثناء البحث التمهيدي
إن العراقيل التي تم الوقوف عليها من خلال تحليلنا للإجراءات
المتخذة أثناء الإحتفاظ بالحدث تجعلنا نفترض أن هناك صعوبات في تفعيل النيابة
العامة للمقتضيات التي جاء بها المشرع في هذا الشأن، الأمر الذي يجعلنا طرح
التساؤل حول الصعوبات التي تواجه النيابة العامة في تفعيل إجراءات الحماية المقررة
للحدث أثناء البحث التمهيدي من خلال مراقبة عمل ضباط الشرطة القضائية؟ وهذا ما
سنجيب عنه في (المطلب الأول ) من هذا المبحث.
ولم تقتصر هذه الصعوبات على مراقبة عمل ضباط الشرطة
القضائية، بل امتدت إلى مسطرة الصلح التي تباشرها النيابة العامة في إطار مهامها
الإجتماعية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : صعوبات على مستوى مراقبة عمل
ضباط الشرطة القضائية
خول المشرع
المغربي للنيابة العامة صلاحيات تمكنها من اعتماد عدالة جنائية تستجيب للغاية
والأهداف التي توختها مقتضيات الحماية في ق.م.ج التي تنبني عليها عدالة الأحداث،
ومن هذه الصلاحيات مراقبة عمل الشرطة القضائية، إلا أن تفعيل هذه الرقابة قد تعرف
بعض الصعوبات تحد من تفعيل المقتضيات القانونية الممنوحة للحدث أثناء مرحلة البحث
التمهيدي.
إن أول ما يثير
الانتباه هنا هو أن المشرع المغربي رغم إحداثه لشرطة قضائية خاصة بالأحداث، إلا
أنه في الواقع العملي عندما تباشر أبحاثها مع الأحداث تجد نفسها إزاء مشكلات كثيرة
تتصل بالحدث الذي تتعامل معه وتتعلق بأسرته ومدرسته وعمله وظروفه البيئية
والاجتماعية، وقد تؤثر هذه الظروف على معاملة الشرطة للحدث[27].
كما أنها تبقى مفتقدة للتخصص[28] الذي يمكنها من القيام
بالدور المنوط بها بطريقة تتماشى والغرض من إنشائها باعتبار أن أولئك الضباط يتم
تعيينهم من بين الضباط العاملين بمصالح الشرطة القضائية، دون مراعاة المعايير
الموضوعية والمؤهلات الذاتية التي ستمكنهم من أداء مهامهم على أحسن وجه[29]، ودون الأخذ بأسلوب التخصص
على مستوى التكوين وإعادة التكوين والتي تتطلب عقد دورات تدريبية للقائمين على
مرافق الضابطة القضائية المكلفون بالأحداث[30].
لذلك ليس غريبا أن يكون أولى الصعوبات التي
تفرزها طبيعة العلاقة بين ضباط الشرطة القضائية للأحداث وجهاز النيابة العامة،[31] تلك العلاقة التي تقوم على
أساس الضوابط التقليدية التي تربط بين الطرفين.
بالرغم من تخصيص
المشرع قواعد خاصة بالأحداث، إلا أن العديد من الإجراءات والمساطر من بينها
إجراءات البحث التمهيدي تتم وفق القواعد العامة التي يشترك فيها الحدث مع الراشد،
وهو ما لا يتماشى وخصوصية الحدث وقضاياهم التي تتطلب إجراءات خاصة تأخذ بعين
الاعتبار حداثة السن والوضعية التي يتواجد فيها.
ويحذونا الأمل
على أن يتدخل المشرع ويجعل هذه الإجراءات استثناء من القواعد العامة في الإجراءات
الجنائية من أجل التوصل لأفضل السبل لتفعيل الرقابة التي تمارسها النيابة العامة
على ضباط الشرطة القضائية للأحداث، وتجاوز تلك الرقابة التقليدية التي تغيب معها
خصوصيات إجراءات البحث مع الأحداث حماية لمصلحتهم الفضلى.
من هذا المنطلق
فإن النيابة العامة مطالبة بالسهر أثناء مرحلة البحث التمهيدي الذي يقوم به ضابط
الشرطة القضائية المكلف بالأحداث على تكريس الرقابة على إجراءات البحث كمبدأ من
أجل ضمان سلامة الحدث الجانح.
لذا فمن المفيد أن تحرص النيابة العامة على
مراقبة السجلات والمحاضر لأن هذه السجلات تعرف عدة تجاوزات قانونية، ترجع أسبابها
للإهمال والتقصير من وكيل الملك، حيث غالبا ما تباشر تلك المراقبة بشكل سطحي
ومحدود، دون التأكد ما إذا كانت تلك المقتضيات قد تم احترامها فعلا من طرف الضابطة
القضائية.[32]
وقد يبرروا وكلاء الملك هذا التقصير بتعدد
المهام الملقاة على عاتقهم، إلا أن هذا المبرر يتنافى مع ما جاء به القانون، والذي
أعطى لوكيل الملك إمكانية تكليف قاضيا أو عدة قضاة من النيابة العامة بقضايا
الأحداث للقيام بذلك. [33]
وبالنظر إلى
النصوص القانونية المؤطرة للبحث التمهيدي في قضايا الأحداث نجد أن المشرع لم يرتب
صراحة أي جزاء على مخالفتها، مما يجعل مراقبة النيابة العامة لضباط الشرطة
القضائية مراقبة محدودة في ظل غياب جزاء الإخلال بإجراءات البحث، باستثناء
الجزاءات التأديبية لضابط الشرطة القضائية.
وتعزى محدودية
تفعيل النيابة العامة للرقابة على عمل ضباط الشرطة القضائية إلى الصعوبات التي
يطرحها الواقع العملي فمراكز الشرطة لا تكفي المشتبه فيهم الرشداء ونفس الأمر
بالنسبة للأحداث، إذ أن ضباط الشرطة القضائية يجدون صعوبة في تخصيص أماكن لإيواء
الحدث المحتفظ به، وحتى في حالة وجودها فإنها تفتقد لأبسط التجهيزات الأساسية
الخاصة بالإيواء،[34] وهذا
ما يؤدي إلى صعوبة تصنيف الأحداث حسب الأعمار وإلى الخلط بين الأحداث الجانحين
والموجودين في وضعية صعبة.[35]
في ظل غياب أماكن
الاحتفاظ بالحدث فإن المشرع المغربي منح للنيابة العامة فرصة استبدال إجراء
الاحتفاظ بالحدث بمخافر الشرطة بإخضاعه إن إقتضت ضرورة البحث لتدبير الحراسة
المؤقتة، وذلك لمد لا تتجاوز 15 يوما، ومن ثم يجب على النيابة العامة تفعيل هذا
الإجراء لما سيجنب الحدث من الأضرار النفسية والجسدية من جراء الاحتفاظ به في
أماكن تفتقر إلى أدنى شروط الصحة والسلامة[36].
انطلاقا من
الاعتراف القانوني بأهمية دور جهاز النيابة العامة في قضايا الأحداث فمن المطلوب
منها أن تتفاعل إيجابا مع العدالة الجنائية الخاصة بالأحداث القائمة على أولوية
الحماية وتحقيق المصلحة الفضلى للحدث من الردع والزجر.
غير أن حجم هذا الدور يصطدم بواقع المعيقات يتصدرها مشكل عدم التخصص الفعلي لأعضاء النيابة العامة[37]، خاصة ممثل النيابة العامة المكلف بالأحداث الذي يتم اختياره من بين قضاة النيابة العامة وفق ما جاء في المواد 467 و489 من ق.م.ج[38]، الأمر الذي لا يمكنهم من الفهم الدقيق لأسباب الجنوح، ولا يسمح باعتماد أساليب علمية للتواصل خلال مرحلة البحث التمهيدي، ولا يسعف في اختيار الإجراء المناسب أو أفضل التدابير بشكل يتناسب مع حالة الأحداث، مما يسهم في تغير الدور الحمائي الهام للنيابة العامة، ويعرقل نجاعة العمل القضائي في قضايا الأحداث الذي يفرض ضرورة العمل على تطوير هذا القضاء وفق الأساليب العلمية بغية تمكينه من الاضطلاع الجيد بهذا الدور.
المطلب الثاني: صعوبات على مستوى تفعيل مسطرة الصلح[39]
من أجل تجنيب
الحدث إجراءات المحاكمة، فقد تبنى المشرع وسائل بديلة عن المتابعة قبل إثارة
الدعوى العمومية عن طريق اقتراح النيابة العامة للصلح، وبهذه الوسيلة يكون المشرع
المغربي قد أسس لضمانة قوية لفائدة الحدث الجانح تتمثل في عدم إحالة الحدث على
المحاكمة وبقاء سجله نظيفا، رغم ارتكابه لفعل جرمي في حالة ارتكابه لجرائم تشكل
جنحة وفق شروط أوردتها المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.
فأي دور للنيابة
العامة في تفعيل مسطرة الصلح في قضايا الأحداث؟
تنص المادة 461[40] من ق.م.ج على ما مضمونه
أنه في حالة ارتكاب جنحة من قبل الحدث، يحق للنيابة العامة بعد موافقة الحدث ووليه
القانوني والضحية تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من نفس القانون.
من خلال مقتضيات
المادة 461 أعلاه يتضح أن المشرع المغربي منح للنيابة العامة سلطة واسعة في إقرار
بدائل عن تحريك الدعوى العمومية في حق الحدث، بحيث يمكنها في حالة ارتكاب جنحة
يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم،
وموافقة الحدث ووليه القانوني وكذلك الضحية إقرار صلح بين الطرفين، وفي حالة
موافقة وكيل الملك وتحريره محضرا بذلك، يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية، ليقوم
هو ومن ينوب عنه بالتصديق عليه، بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما
بغرفة المشورة، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن[41].
وفي حالة إن لم
يحضر المتضرر أمام وكيل الملك وتبين من وثائق القضية أنه أدلى بتنازل مكتوب أو في
حالة عدم وجود مشتكي، أمكن لوكيل الملك أن يقترح على ولي أمر الحدث القانوني
الحاضر معه صلحا يتمثل في أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجنحة أو إصلاح
الضرر الناتج عن أفعاله، وفي حالة قبوله يحرر وكيل الملك محضرا يتضمن ما تم
الإتفاق عليه وإشعار الحدث وولي أمره القانوني أو دفاعه بتاريخ غرفة المشورة ويوقع
هذا المحضر وكيل الملك والحدث وولي أمره القانوني، ويحيله على رئيس المحكمة
الابتدائية على النحو المذكور سلفا، وتوقف مسطرة الصلح والأمر المتخذ من طرف رئيس
المحكمة أو من ينوب عنه إقامة الدعوى العمومية، غير أنه يمكن إقامتها من جديد من
طرف وكيل الملك في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح أو عدم تنفيذ ما صادق عليه
رئيس المحكمة أو من ينوب عنه داخل الأجل المحدد، أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس
الدعوى العمومية ما لم تكن هذه الأخيرة قد سقطت بالتقادم، ويتعين على وكيل الملك
فور إشعاره بالأمر الصادر عن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه التأكد من تنفيذ
الالتزامات المصادق عليها.[42]
لكن رغم الأهمية
التي جاءت بها المادة 461 أعلاه في الحد من النزاعات المعروضة على القضاء، إلا أن
إجراء مسطرة الصلح في الجنح التي يرتكبها الأحداث لا يتم اللجوء إليه إلا نادرا[43]، الشيء الذي يوحي بأن هناك
محدودية في تفعيل هذا الإجراء بالرغم من أهميته في تجنيب الحدث سلبيات الدخول في
أطوار المحاكمات.
وقد تعزى هذه المحدودية إلى مسطرة الصلح المتبعة
في قضايا الأحداث لكونها تنطوي على إشكالية قانونية، إذ أن إجراء الصلح ليس في
متناول خيارات النيابة العامة، إلا إذا ارتبط بموافقة الحدث ووليه القانوني معا،
مع العلم أن الحدث قد يكون عديم التمييز أو ناقصه فكيف يتسنى إجراءات الصلح معه
واستصدار موافقة سليمة منه؟
إن المشرع
المغربي قد حسم الموقف عندما منح النائب القانوني للحدث إبرام الصلح نيابة عنه وإن
كان يأخذ برأي الحدث، في حين نجد أن فقهاء الشريعة الإسلامية اختلفوا في ذلك، فقد
ذهب فقهاء الحنفية إلى أن القصاص إذا كان مستحقا للصغير. وصالح أبوه نيابة عنه، صح
الصلح، لأنه متمكن من إستيفاء القصاص الواجب لولده، ولأن الولد جزء منه، وولايته
تعم النفس والمال جميعا، فإذا جاز له أن يستوفي القودجاز صلحه بطريق الأولى، لأن
المقصود باستيفاء القود شفاء الغيظ، أما المالكية فيرون جواز العفو عن القصاص
المستحق للصغير نظير الدية إذا كانت في مصلحة الصغير.[44]
وقد يطرح إشكالا
عمليا يكمن في حالة غياب الولي أو حضوره أمام النيابة العامة رفقة الحدث وعدم
موافقته على مسطرة الصلح، وكذلك في حالة وجود ضحية حدث دون حضور وليه القانوني
فكيف يتصور إجراء الصلح في هذه الحالات؟
ولتجنيب الحدث
مساوئ المحاكمة يتعين أن يتدخل وكيل الملك ويفرض مسطرة الصلح عليهم حماية لمصلحة
الحدث رغم إعتراض ولي أمره القانوني، وذلك في الحالة التي يرفض فيها الولي
القانوني للحدث الموافقة على إجراء صلح رغم موافقة باقي الأطراف بمن فيهم الحدث.[45]
وأبعد من ذلك،
ذهب بعض الفقه إلى المطالبة بضرورة ملاءمة المشرع لآلية الصلح مع خصوصية المتابعة
في قضايا الأحداث، بإلزام النيابة العامة ترتيب الصلح وطرحه في طليعة الإختيارات
قبل إثارة الدعوى العمومية، إلا في حالة رفض الضحية سلوك مسطرة الصلح.[46]
وفي الأخير يمكن
القول أن منح النيابة العامة دور المصلح الاجتماعي، سيجعلها على حد تعبير أحد
الفقهاء تخلع لباس التشدد لتلعب دور المرشد الاجتماعي تحقيقا لغاية أسمى قد لا
تحققها العقوبة[47]،
مما سيؤثر وبشكل إيجابي على الحدث ما دام أنه سيجنبه متاعب المحاكمة وتهديد الحكم
وما يترتب عنه من آثار العقوبة وتأثيراتها السلبية على نفسية الحدث، لأنه لن يوصم
بوصمة المجرم ما دام أنه لم يحاكم، أو يتخذ بشأنه إحدى التدابير المنصوص عليها في
الفصل 516 من ق.ج، وهذا ما يؤكد سير المشرع المغربي على نهج المادة 11 من قواعد
بكين التي تدعو إلى معالجة قضايا الأحداث كلما كان ذلك ممكنا دون اللجوء إلى
محاكمة رسمية وتخول الشرطة أو النيابة العامة سلطة الفصل في هذه القضايا، بناء على
قبول الحدث أو والديه أو الوصي عليه شريطة أن
يخضع القرار لمراجعة سلطة مختصة، وبهذا يكون هذا الإجراء يخدم مصلحة
المتضرر والمعتدي، لأنه يؤدي إلى تقليص الدعوى العمومية ضد الحدث وتأسيس ضمانة
حمائية قوية له.
خاتمة :
وفي الأخير ، ومن خلال تحليل الموضوع تبين لنا أن المشرع
عمل جاهدا على توفير الحماية للأحداث الجانحين في مرحلة البحث لتمهيدي في إطار
الصلاحيات الممنوحة للنيابة العامة باعتبارها الساهرة على ضمان تنفيذ الضمانات
القانونية التي تتطلبها إجراءات البحث، إلا أنه وبالرغم من الأهمية التي أولاها
المشرع لهذه الفئة، فإن أدوار النيابة العامة تصطدم بمجموعة من العراقيل تحد من
ترسيخ فلسفة المشرع في تغليب المقاربة التربوية على المقاربة الزجرية في هذا
المجال.
وعليه فقد مكنتنا المنهجية المعتمدة في تناول هذا الموضوع من الوقوف على المقتضيات القانونية وتحليلها
وربطها بالواقع، والذي من خلاله توصلنا لمجموعة من الإستنتاجات، ونذكر منها :
-
عدم اشتراط المشرع لوجود الدلائل أو القرائن
للاحتفاظ بالحدث إذ ترك ذلك لتقدير ضباط الشرطة القضائية، مما يؤدي إلى ارتفاع
حالات اللجوء إلى الإحتفاظ بالحدث، باعتباره الإجراء الأنسب والأسهل لضباط الشرطة
القضائية بحسب تقديرهم، الأمر الذي يجعل إجراء الإحتفاظ بالحدث قاعدة عامة وليس
استثناء؛
-
عدم إشعار أولياء الحدث بتدبير الإحتفاظ، وحتى لو تم الإحتفاظ لم يتم وفق
الوسيلة التي رسمها المشرع؛
-
بالرغم من أن حق الدفاع من الحقوق الأساسية
إلا أن المشرع لم يخول هذا الحق منذ اللحظة الأولى للقبض على الحدث؛
-
تحديد المشرع لمدة زيارة النيابة العامة
لأماكن الإحتفاظ بالحدث مرة واحدة كل أسبوع كان صائبا، إلا أنه نادرا ما تتم هذه
الرقابة؛
-
وجود صعوبات في التعامل مع الأحداث من قبل
ضباط الشرطة القضائية لانعدام تخصص هذا الجهاز في مجال عدالة الأحداث؛
-
بالرغم من تنظيم المشرع للقواعد الخاصة
بالأحداث إلا أن إجراءات البحث التمهيدي تتم وفق القواعد العامة التي يشترك فيها
الحدث مع الراشد، وهو ما لا يتماشى مع خصوصيات الأحداث؛
-
وجود صعوبة في تخصيص أماكن خاصة لإيواء
الأحداث المحتفظ بهم بسبب افتقار مراكز الشرطة لهذه الأماكن، الأمر الذي يودي إلى
صعوبة تصنيف الأحداث حسب االأعمار وحسب أوضاعهم؛
-
عدم اللجوء إلى إجراء مسطرة الصلح في الجنح
التي يرتكبها الأحداث إلا نادرا.
وأمام هذه المعطيات وفي سبيل تعزيز آليات الحماية
المقررة للأحداث في مرحلة البحث التمهيدي فإننا نتقدم في هذا الإطار ببعض التوصيات
المتمثلة فيما يلي :
-
ضرورة حرص النيابة العامة وسهرها على تفعيل إجراء
الإشعار أولياء الحدث وفق الكيفية المنصوص عليها قانونا؛
-
تنصيص المشرع على تمكين الحدث من حق الدفاع في اللحظة
الأولى فور إلقاء القبض عليه؛
-
حرص النيابة على تفعيل الزيارات التفقدية لمراكز الإحتفاظ بالأحداث المحددة قانونا مرة على
الأقل في الأسبوع مع تمكينها من الوسائل الممكنة لتسهيل عملية المراقبة؛
-
إيجاد أماكن خاصة للإحتفاظ بالحدث في مراكز الشرطة
لتسهيل عملية التصنيف وتفادي إيذاء الحدث؛
-
تكوين أعضاء الشرطة القضائية في مجال عدالة الأحداث بما
يضمن لهم التخصص في هذا المجال؛
- تفعيل مسطرة الصلح في قضايا الأحداث وتبسيط إجراءاتها لتمكين النيابة العامة من ممارسة دورها الإجتماعي في هذا الإطار.
[1] - نقصد هنا الدور التربوي
والإصلاحي الذي تقوم به النيابة العامة في مجال عدالة الأحداث وفق الفلسفة التي
جاء بها المشرع المغربي والمتمثلة في تغليب المقاربة التربوية على المقاربة
الزجرية.
[2] - تنص الفقرة الأخير من المادة 16
من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية
في دائرة نفوذه".
[3] - لقد حدد المشرع المغربي لمجموعة
من الضمانات القانونية المقررة للحدث المرتكب للفعل الجرمي أثناء مرحلة البحث
التمهيدي، إذ نصت المادة 460 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يمكن دون
المساس بمقتضيات المادة 470 الآتية بعده، لضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث
أن يحتفظ بالحدث المنسوب إليه الجرم في مكان مخصص للأحداث لمدة لا يمكن أن تتجاوز
المدة المحددة للحراسة النظرية. وعليه أن يتخذ كل التدابير لتفادي إيذاءه. ولا
يعمل بهذا الإجراء إلا إذا تعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته أو كانت ضرورة البحث
أو سلامة الحدث تقتضي ذلك، على ألا تتجاوز مدة التدبير المأمور به (15) خمسة عشر
يوما. ويجب في كافة الأحوال إشعار ولي الحدث أو المقدم عليه أو وصيه أو كافله أو
حاضنه أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته بالإجراء المتخذ، وذلك وفقا
لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 67 من هذا القانون. ويحق لهؤلاء وللمحامي
المنتصب الإتصال بالحدث في الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين الأولى والثالثة
من هذه المادة، بإذن من النيابة العامة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية ويمنع
عليهم إخبار أي كان بما راج خلال الإتصال بالحدث قبل انقضاء البحث التمهيدي، وتتم
إجراءات البحث بكيفية سرية مع مراعاة حق الإتصال المشار إليه في الفقرة
السابقة."
[4] - وفي هذا الصدد نصت
الفقرة الثالثة من المادة 461 من قانون المسطرة الجنائية على أنه "يمكن
للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة إذا وافق الحدث ووليه القانوني وكذلك ضحية
الفعل الجرمي تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليه في المادة 41 من هذا القانون".
[5]- تنص المادة 98 من العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تم اعتماده وعرضه للتوقيع والتصديق عليه
بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 دجنبر 1966، على أنه "لكل
فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا
يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه.
يتوجب إبلاغ أ شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه
سريعا بأية تهمة توجه إليه..."، وقد ساير المغرب ذلك بنصه في الفصل 23 من
الدستور المغربي على أنه "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو
متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون،
الاعتقال التعسفي أوالسري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم. وتعرض مقترفيها
لأقصى العقوبات، يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي
اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت
ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. قرينة
البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان، يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف
اعتقال إنسانية، ويمكن أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج".
[6]- لقد وضعت هذه القاعدة مبدأ هام
جدا، وهو أن حرمان حرية الحدث يجب أن يستخدم كإجراء أخير ولأقصر وقت ممكن، كما
أكدت على أنه لا يجرد الحدث من حريته إلا في الحالات الإستثنائية، وقد تم تعريف من
خلال قواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث على أن التجريد من الحرية
بأي شكل من أشكال الإحتجاز أو السجن، أو وضع الشخص في إطار احتجاز عام أو خاص لا
يسمح له مغادرته وفق إرادته، وذلك بناء على أمر تصدره أي سلطة قضائية أو إدارية أو
سلطة عامة أخرى. .
[7]- المادة 460 من ق.م.ج.
[8]- تبين الإحصائيات
التي تم الحصول عليها أن نسبة لجوء الضباط الشرطة القضائية إلى الإحتفاظ بالحدث
نسبة مرتفعة، وهذا ما يفسر سهولة اللجوء إليه من طرف الشرطة، حيث وصل عدد الأحداث
الذين تم الاحتفاظ بهم في الأماكن المخصصة للأحداث برسم سنة 2018 إلى 18488 حدثا،
إحصائيات واردة في تقرير رئيس النيابة العامة
حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة برسم سنة 2017، ص: 74، منشور
بالموقع الإلكتروني الرسمي لرئاسة النيابة العامة على الرابط المباشر التالي:
- /إصدارات
www.pmp.ma/أطلع عليه بتاريخ 07 يناير 2023.
[9]- سعاد التيالي، دور القضاء في حماية الأحداث دراسة
مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية العلوم القانون والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2006-2007، ص:
31.
[10]- المادة 751 من ق.م.ج.
[11]- أنظر الفصول 225 و226 و227 و228
من ق.ج.
[12] - محمد العمري، حماية
المصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي المغربي، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة
الأولى، 2017، ص: 228.
[13]- الفقرة الثالثة من المادة 460 من
ق.م.ج.
[14]- المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أزمة
السجون مسؤولية مشتركة، تقرير خاص بالأوضاع في السجون وحقوق السجناء، أكتوبر 2012،
منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ص: 82.
[15]- للإشارة
أن المجلس الأعلى أصبح تحت تسمية محكمة النقض بمقتضى ظهير شريف رقم 1-11-170
الصادر في 27 من ذي القعدة 1432،الموافق ل 25 أكتوبر 2011 بتنفيذ قانون رقم
58-11المتعلق بمحكمة النقض.
[16]- قرار عدد 330/9 بتاريخ 7/3/1996
أشار إليه أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، ج الأول، دار المعارف،
الرباط، 1999، ص: 290.
[17]- قرار عدد 2322/7 مؤرخ في
27/6/2002 في الملف الجنحي رقم 2162/ 2000 تمت الإشارة إليه في: شرح قانون المسطرة
الجنائية، وزارة العدل، ج الأول، مطبعة النجاح الجديدة، منشورات جمعية نشر
المعلومات القانونية والقضائية سلسلة المعلومة للجميع، العدد 7، 2006، ص: 127.
[18]- وتجدر الإشارة أن حق الاستعانة
بالمحامي لا يسمح به للرشداء إلا في حالة تمديد مدة الحراسة النظرية، المادة 66،
من ق.م.ج.
[19]- عبد الله بن منصور بن محمد
البراك، حق المتهم في الدفاع في نظام الإجراءات الجزائية السعودية والمواثيق
الدولية، الرياض، سنة 2007، ص: 151.
[20] - محمد
العمري، مرجع سابق، ص: 233.
[21]- سعاد التيالي، مرجع سابق، ص: 34
و35.
[22]- سعاد التيالي، نفس المرجع السابق،
ص: 36.
[23]-
وهذا ما تأكد من خلال التقرير المعد حول أزمة السجون سنة 2012 من طرف المجلس
الوطني لحقوق الإنسان. المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أزمة السجون مسؤولية مشتركة،
مرجع سابق، ص: 82.
[24]- تنص المادة 45 من ق.م.ج على مايلي: "... يسهر وكيل
الملك على احترام إجراءات الحراسة النظرية وآجالها وعلى مباشرتها في الأماكن
المعدة لهذه الغاية الموجودة في دائرة نفوذه. كما يسهر على احترام التدابير
الكفيلة باحترام أنسنة ظروف الاعتقال. يتعين عليه أن يقوم بزيارة هذه الأماكن في
أي وقت شاء ومتى دعت الضرورة لذلك، دون أن تقل هذه الزيارة عن مرتين في الشهر،
وعليه أيضا مراقبة سجلات الحراسة النظرية. يحرر تقرير بمناسبة كل زيارة يقوم بها،
ويشعر الوكيل العام للمك بملاحظاته وبما يعاينه من إخلالات..."
[25]- تنص المادة 30 من ق.م.ج على ما
يلي: "يحيل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف إلى الغرفة الجنحية
بمحكمة الاستئناف كل إخلال ينسب لضابط من ضباط الشرطة القضائية أثناء قيامة
بمهامه".
[26]-
تم التأكيد على ذلك في التقرير حول أزمة السجون مسؤولية الجميع المعد من طرف
المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2012، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أزمة السجون
مسؤولية الجميع، مرجع سابق، ص: 82.
[27]- عبد اللطيف كداري، إجراءات
معاملة الأحداث الجانحين في التشريع المغربي، مجلة القصر، العدد 16 يناير 2007، ص:
34.
[28]- جاء في المادة 12 من قواعد الأمم
المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) بأن "ضباط
الشرطة القضائية الذين يتعاملون كثيرا مع الأحداث والذين يخصصون للتعامل معهم أو
الذين يتناولون بالدرجة الأولى منع جرائم الأحداث يجب أن يتلقوا تعليما وتدريبا
خاصين لكي يتسنى لهم أداء مهامهم على أفضل وجه". وبالرغم من أهمية هذا
المقتضى إلا أنه لا توجد شرطة مختصة في قضايا الأحداث في التشريع المغربي وفي
الواقع العملي وهذا ما أشار إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في التقرير حول أزمة
السجون لسنة 2012. المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أزمة السجون مسؤولية مشتركة، مرجع
سابق، ص: 82.
[29]- محمد العمري، مرجع سابق، ص: 218.
[30]- إن تدخل الشرطة القضائية في
قضايا الأحداث يجب أن يكون فعالا، ولضمان ذلك يجب أن يتم تعيينهم على أساس معايير
الكفاءة والتأهيل والتكوين في مجال عدالة الأحداث بما يتلاءم مع خصوصيات هذه الفئة.
[31]- sans doute les officier de
police judiciaire ont-ils de puis longtemps intégré les facettes du cadre légal
dans le quel s’inscrit leur action judiciaire : la direction ravinent au
procureur (et au juge d’instruction quant il ya ouverture d’information). Ce
qui renvoie à une pratique commune quotidienne simplement amplifiée par la
pratique des politiques.... » yves chan pénale : les rendez- vous de la politique pénale concilier devoir de
décrié.
[32]- سعاد التيالي، مرجع سابق، ص: 38.
[33]- الفقرة الأخيرة من المادة 467 من ق.م.ج.
[34]-
تبين من خلال التقرير حول
أزمة السجون لسنة 2012 الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث جاء فيه أن
هناك انعدام لمخافر متخصصة في البحث في قضايا الأحداث، المجلس الوطني لحقوق
الإنسان، أزمة السجون مسؤولية مشتركة، مرجع سابق، ص: 82.
ونفس الشيء أكده تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2017
حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة أن هناك نقص في المؤسسات التي
تستقبل الأحداث الذين هم في نزاع مع القانون. تقرير رئاسة النيابة العامة حول
تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، مرجع سابق، ص: 114.
[35]- مليكة أبو ديار، ضمانات الحدث الجانح، مجلة المعيار، عدد
46، ص:56.
[36]- سعاد التيالي،
مرجع سابق، ص: 43.
[37]- جاء في تقرير المجلس الوطني لحقوق
الإنسان حول أزمة السجون لسنة 2012 أنه لا وجود لنواب وكلاء الملك مختصين في قضايا
الأحداث كما هو منصوص عليه في القانون، حيث يتم تكليف أي قاض من النيابة العامة
بقضايا الأحداث دون الأخذ بعين الإعتبار خصوصية هذه الفئة المنصوص عليها في
القانون. المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أزمة السجون مسؤولية مشتركة، مرجع سابق، ص:
82.
[38]- سعاد التيالي، مرجع سابق، ص: 42.
[39]- لا بد من الإشارة أن المشرع المغربي لم يفرد للصلح
تعريفا دقيقا شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي، ويعرف الفقه المغربي ندرة في
التعريف القانوني للصلح الجنائي الذي يصل إلى غاية العدم، وإن كان الفقه المقارن
يحاول تعريفه فإنه لم يعمد إلى إعطاء تعريف شامل، وعرفت محكمة النقض المغربية
الصلح بأنه تنازل الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي
قام عليه الصلح، وقد تضاربت أراء الفقهاء بشأن طبيعته، فبعض الفقه الفرنسي يرى بأن
الصلح الجنائي عقد مدني نظرا للحيز الرضائي الذي خوله المشرع لطرفي العلاقة
التصالحية في قبول الصلح أو رفضه في حين يرى البعض الأخر غلبت الطابع الزجري
للمصالحة، وفيما عرفته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بأنه تنازل الهيئة
الاجتماعية عن حقها مقابل الشيء الذي قام عليه الصلح، وعليه انطلاقا من التعاريف
المشار إليها أعلاه يمكن تعريف الصلح بين الجاني والمجني عليه تحت رقابه القضاء
يتمثل في دفع مبلغ من المال للدولة أو تعويض المجني عليه أو قبول تدابير أخرى
مقابل انقضاء الدعوى العمومية وبالتالي القضاء الفوري على أثار الجريمة مع الحفاظ
على العلاقات والوضعيات التي كانت قائمة قبل ارتكاب الفعل وجبر الضرر والقضاء هي
الاضطرابات والحد من النزعة الانتقامية لدى الضحية.
[40]- تنص الفقرة الثالثة من المادة
461 من ق.م.ج على أنه "يمكن للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة، إذا وافق
الحدث أو وليه القانوني وكذلك ضحية الفعل الجرمي، تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها
في المادة 41 من هذا القانون".
[41]- ويتضمن الأمر القضائي المذكور ما اتفق عليه الطرفان، وعند الاقتضاء، أداء
غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، وتحديد أجل لتنفيذ
الصلح.
[42]- ويتعلق الأمر بجنحة من الجنح
المعاقب عليها بعقوبة حبسية لا تفوق السنتين أو بغرامة تقل عن 5000 درهم، الفقرة
الأولى من المادة 41 من ق.م.ج.
[43] - المجلس الوطني لحقوق الإنسان،
أزمة السجون مسؤولية مشتركة، مرجع سابق، ص:82.
[44]- سعاد التيالي، مرجع سابق، ص: 67.
[45] - سعاد
التيالي، نفس المرجع السابق، ص: 67.
[46] - محمد
العمري، مرجع سابق، ص: 247.
[47]- محمد عبد النباوي، مسطرة الصلح
دور اجتماعي إنساني جديد للنيابة العامة، عرض ألقي في ندوة الطرق البديلة لتسوية
المنازعات من تنظيم كلية الحقوق شعبة القانون الخاص فاس، بشراكة مع وزارة العمل
وهيئة المحامين بفاس يومي 4 و5 أبريل 2003، منشورات جمعية نشر المعلمة القانونية
والقضائية، سلسلة الذوات والأيام الدراسية، ع 2-2004، طبعة 1، ص: 144.

0 تعليقات